كلمة الجامعة بمناسبة يوم اللغة العربية

الحمد لله الذي أنزل القرآن بلسان عربي مبين، والصلاة والسلام على من هو أفصح العرب والعجم صلى الله عليه وسلم، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
فإن الله سبحانه وتعالى قد شرّف اللغة العربية وخصها بأمرين عظيمين؛ حيث أنزل كتابه بها واصطفى رسوله من أهلها والناطقين بها، فكانت بذلك وعاء لأصْلَي الإسلام العظيمين: القرآن والسنة؛ فاللغة العربية ليست كبقية اللغات وسيلة للتفاهم فحسب، بل هي لغة القرآن الكريم والسنة النبوية المشرفة، قال الله سبحانه تعالى: "الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ، إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ" ( سورة يوسف: 2).
ومن الطبيعي أن تحظى اللغات بعناية أصحابها، وتحتل في حياتهم المكانة الكبرى، فهي هي وسيلة التخاطب والتفاهم لا يستغني عنها أحد، واللغة العربية هي كذلك، ولكنها بالإضافة  إلى ذلك تتميز بميزة لا توجد في غيرها من اللغات، فهي لغة الإسلام، وترتبط بحياة المسلمين جميعًا بأداء شعائرهم الدينية، فهي لغة تستمد عظمتها من مكانة القرآن والإسلام، والقاعدة الشرعية تقول: "ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب" ولما كانت قراءة القرآن واجبة، ومعرفة سنة النبي صلى الله عليه وسلم واجبة، وتعلم أحكام الدين واجبا، كان تعلم هذه اللغة من الواجبات الدينية الكفائية.
من هنا تمثل اللغة العربية لهذه الأمة هويتها، وتمثل لها استمراريتها في الحياة، وتمثل كذلك عمقها الإيماني وعمقها الروحي.
إن الحفاظ على هذه اللغة العربية بالإضافة إلى أنه مما يتعبد الله به ويبتغى به وجهه، هو من التسنن بسنة النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين، وأصحابه المهديين، والتابعين وأتباعهم، وهو كذلك مما يرفع الله به الدرجات، ويزيد به المنازل، والناس محتاجون إليه، ولا يمكن أن يستغنى عنه، لأن معرفة حقيقة دين الإسلام  والإلمام بأصوله وفروعه والوقوف على أحكامه لا تكون دقيقة وصائبة إلا بالوقوف على أصول هذا الدين في لغتها الأصلية، فكما هو معلوم لدى المتخصصين في اللغة أن الترجمة لأي عمل إبداعي وحتى غير الإبداعي تقصر وتعجز كثيراً عن الوفاء الكامل بما يحمله الأصل من دقة في أفكاره وأساليبه وإيماءاته، فكذلك الحالة هنا، مع العلم أن القرآن لم يترجم إلا معانيه كما يرى ذلك علماء الإسلام.
اللغة العربية والعقيدة الإسلامية بينهما ارتباط عضوي وثيق لا يماثله أي ترابط آخر في لغات العالم؛ لأن اللغة العربية هي لغة الإسلام، ولغة كتابه العزيز، ولغة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم؛ ولذا فإن الاهتمام بها إنما هو استكمال لمقوم من مقومات العقيدة الإسلامية التي نجتمع جميعاً على إعزازها والدعوة إليها .
وانطلاقاً من هذا المفهوم؛ فإننا نرى أن تعلم اللغة العربية والاهتمام بها ليس مهنة تعليمية أو قضية تعليمية فحسب، وإنما هو قضية دينية، ورسالة سامية نعتز بها.
وثمة أمر آخر لا يمكن تجاهله حول أهمية اللغة العربية وهو أن اللغة العربية لغة الثقافة والحضارة والتاريخ بالنسبة للأمة الإسلامية، فهي اللسان الذي يصح اجتماعهم عليه، بعدما اجتمعوا على دين واحد، ولا غرو أن انتشار اللغة العربية في الأمة الإسلامية كبير ويبشر بالمزيد، بل إنه كان لسان كثير من الأمم الإسلامية قبل أن تحيق بها مؤامرات أعداء الإسلام، والتي فرقت بين هذه الأمم في اللغة والثقافة حتى تصل إلى تفريق دين هذه الأمم، ومتى تحقق انتشار اللسان العربي بدرجة أكبر في الأمة الإسلامية كان من أعظم العناصر وآكد الدعائم التي تحيا بها الوحدة الإسلامية وتزدهر، وتتذلل في سبيلها كثير من العقبات والعراقيل التي منيت بها الأمة الإسلامية.
ولو نظرنا إلى ماضي المسلمين لرأينا بوضوح أن عهود التقدم والقوة، وأزمان المجد والسيادة في تاريخ الأمة الإسلامية كانت مرتبطة أشد الارتباط بفهم القرآن الكريم وأساليبه فهماً كان منطلقه فهم أسرار هذه اللغة والنَّهْل من منابعها، ولم تكن العناية باللغة العربية في عصور الإسلام الذهبية بأقل من العناية بأي شأن من شؤون الدين؛ بل لقد كان الدين دافعاً قوياً على العناية بها، وحسبنا أن نعلم أن قواعدها لم تُدوَّن إلا صوناً للقرآن الكريم من أن يَدْلِفَ إليه اللحن. ولقد دأب العلماء منذ القديم على أن يصلوا بين علوم العربية والدين الإسلامي بأوثق الصلات؛ حتى إن بعضهم يقدمها في التعليم على جميع العلوم؛ من أجل أن فهم الأحكام وأخذها من الأصول.
ومن جانب آخر ظلت اللغة العربية لغة الثقافة والحضارة على مدى قرون، فهي بالإضافة إلى كونها وعاء لنقل الدين و أحكام الشريعة الإسلامية كانت أيضا وعاءا لنقل العلم والحضارة والثقافة، فمن الأمور المسلم بها أن الحضارة والنهضة العلمية المعاصرة هما نتاج التقدم العلمي الحاصل في العهود الإسلامية التي المزدهرة، وكانت اللغة العربية هي اللغة التي كانت تكتب بها تلك العلوم، وانتقلت من خلالها إلى اللغات الأخرى، ويقول روجر بيكون فى القرن الثالث عشر الميلادى  : " من أراد أن يتعلم فليتعلم العربية لأنها هى لغة العلم " .
ثم إن التطور الثقافي والعلمي لجميع شعوب الأمة الإسلامية بمختلف لغاتها مرتبط ارتباطا وثيقا باللغة العربية، فتاريخ الأمة مكتوب بهذه اللغة وتراثها الثقافي والحضاري مدون بهذه اللغة، بل إن تراثها اللغوي مرتبط بهذه اللغة فلا تجد لغة من لغات العالم الإسلامي و إلا فيها كلمات كثيرة من اللغة العربية، فاللغات الفارسية، والتركية، والأردية، والأوزبكية، والألبانية، والأندونيسية … ألخ، وغيرها من لغات العالم الإسلامي فيها كلمات كثيرة من اللغة العربية. فإذا اللغة العربية لغة كل العالم الإسلامي، وقلما تجد هذه الميزة في أي لغة أخرى في العالم.
وإن العمل على خدمة اللغة العربية تعليما وتعلمًا ونشرًا ليس مرتبطا بيوم خاص، بل إن المسلمين مرتبطون بهذه اللغة بشكل يومي حيث يقرءون بها في صلواتهم و دعواتهم، فينبغي لنا العمل على تعليمها ونشرها بشكل مستمر.