في صباح يوم الثلاثاء 31/أكتوبر/ 2017م الموافق 11/صفر/1439هـ وفي قاعة العلامة إقبال للمؤتمرات والندوات والدورات رعى معالي رئيس الجامعة الإسلامية العالمية في إسلام آباد الأستاذ الدكتور/ أحمد بن يوسف الدريويش اختتام فعاليات الدورة المكثفة التي تنظمها أكاديمية الدعوة بالجامعة ويشارك فيها أكثر من خمسين إماماً وخطيباً من مختلف الأقاليم الباكستانية من أفراد القوات المسلحة الباكستانية (الجودية والبرية والبحرية) التي تعنى بالتدريب والتأهيل لهؤلاء العلماء والخطباء والأئمة والدعاة واستمرت لمدة ثلاثة أشهر كاملة . .
حيث تقيم أكاديمية الدعوة دورات تدريبية للطوائف الاجتماعية ومختلف الفئات والمذاهب في باكستان سواء على المستوى المحلي، أو الإقليمي أو العالمي.. وتعد دورة تدريب الأئمة والخطباء من أهم هذه الدورات التربوية التي تقيمها الأكاديمة.. منذ نشأتها (في عام 1985م) إلى يومنا هذا . . حيث أقامت وحتى تاريخه (93) دورة شارك فيها آلاف من العلماء خلال (26) عاما. وهي عبارة عن دورات تدريبية مدتها ثلاثة أشهر تعقد ثلاث مرات في السنة.. دورة لأئمة المساجد والخطباء من الجيش الباكستاني ودورتان للأئمة المدنيين.. فضلاً عن الدورات الأخرى للإعلاميين ورجال الصحافة والتربويين في الداخل والخارج وقد بدأ الحفل بآيات من الذكر الحكيم، ثم كلمة المشرف على الدورة الدكتور/ سهيل أحمد مدير عام الأكاديمية، ثم كلمة الطلاب المشاركين ثم ألقى تقريراً تفصيلاً عن الدرة والمراحل التي مرت بها ابتداءً من افتتحاها وحتى ختامها والبرامج والفعاليات التي قدمت فيها، ومقرراتها ومناهجها وانطباع الدارسين فيها واختيار العلماء الأكفاء المخلصين المعروف عنهم سلامة المعتقد وصحة المنهج والفكر . . وما تحظى به من عناية ورعاية ومتابعة من قبل معالي رئيس الجامعة وحرص على الإفادة منها كماً وكيفاً ودعمها . .
بعد ذلك ألقى معالي رئيس الجامعة البروفيسور أحمد الدريويش كلمة ضافية توجيهية لإخوانه الأئمة والخطباء والعلماء والدعاة المشاركين في هذه الدورة المهمة حيث شكر فيها أكاديمية الدعوة ممثلة في بفضيلة مديرها العام الشيخ الأستاذ الدكتور سهيل حسن ونائبه وإخوانه جميع العاملين في الأكاديمية على جهودهم المبذولة في خدمة الإسلام والمسلمين وفي خدمة المجتمع الباكستاني والمتابعة لمثل هذه الدورات المهمة موضوعاً وزماناً ومكاناً . .
قائلاً معاليه في كلمته: أيها الإخوة الزملاء أصحاب الفضيلة والعلماء من الأئمة والخطباء ورجال القوات المسلحة المشاركين في حفلنا هذا .. أحييكم جميعاً واحداً واحداً بتحية الإسلام الخالدة.. تحية أهل الجنة..
{تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ} ..
فأقول: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته…
وبعد: أوصي نفسي وإياكم معاشر الأئمة والخطباء بتقوى الله تعالى الذي هو خير زاد المسلم في الدنيا والأخرى.. وهو وصية الله عز وجل للأولين والآخرين.. فقال عز من قائل: ((وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ)). وقال سبحانه وتعالى: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ )).
وإنني أشكر الله عز وجل على ما منّ به من هذا اللقاء بإخوة في الله سبحانه وتعالى من خطباء المساجد، وأئمة المساجد، وجماعة من الدعاة إلى الله عز وجل، وجماعة من إخواننا أيضاً ممن يحب الخير ويحب أن يسمع الموعظة، ويجب أن يستزيد من العلم النافع، وهذا من نعم الله، سبحانه وتعالى، نشكر الله ــ عز وجل ــ عليها، وأسأل الله أن يجعلنا وإياكم من الهداة المهتدين، وأن يعيذنا جميعاً من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، ومن مضلات الفتن، وأن ينصر دينه ويعلي كلمته، وأن يصلح أحوال المسلمين جميعاً في كل زمان ومكان، وأن يولي عليهم خيارهم ويصلح قادتهم وولاة أمورهم . .
إخواني: إن إمامة المسجد والخطابة رسالةٌ عظيمة ومهمة جسيمة يوفق الله للقيام بها على الوجه المطلوب دعاةَ الحق، وصفوةَ الخلق، وهذه كانت وظيفة إمام المتقين النبي ــ صلي الله عليه وسلم ــ ومن بعده الخلفاء الراشدين رضوان الله عليهم أجميعن.. فلها أهمية خاصة في الإسلام؛ لأن أئمة المساجد يتعلم الناس على أيديهم الخير والهدى فيستيقظ الجاهل، ويتنبه الغافل، ويهتدي السالك، وتتهذب الأخلاق، وتزكو الضمائر بتوجيهاتهم، ومواعظهم متابعاتهم، ويسعد الناس بالأئمة الأكْفَاء كما سعدت الدنيا بإمام الأئمة . . لذلك لما كان أمر الإمامة عظيماً دعا النبي ــ صلى الله عليه وسلم ــ للأئمة بالرشد فقال: ((الإمام ضامن، والمؤذن مؤتمن، اللهم أرشد الأئمة، واغفر للمؤذنين)). (رواه أبو داود (رقم/517) وصححه الألباني في ” صحيح أبي داود “)
مضيفاً معاليه: بأن من الأمور المهمة التي ينبغي التأكيد عليها لمن كان إماما أو خطيباً هو: أنه في عبادة، والعبادة مبناها على النصِّ عن الله عز وجل أو عن رسوله -صلى الله عليه وسلم، فالصلاة عبادة، وخطبة الجمعة عبادة، فلا بد من استحضار نية العبادة في الإمامة والخطابة.. حتى نؤجر عليها من قبل الله سبحانه وتعالى، وحتى يعم نفعها، ويكثر خيرها، ويستجيب لها الناس، وتقع موقعها الذي أراده الله منها . .
إخواني الأعزاء: يعتبر الإمام والخطيب رأس الحربة في عملية التغيير الحضاري.. إذا أدى رسالته بأمانة وإخلاص وصدق ووفاء خدمة لدينه ووطنه ومجتمعه.. حيث يتعايش يوميا مع مختلف الشرائح في المجتمع ومنهم الشباب.. وعلامة وفاء الإمام والخطيب هو بذل الجهد العلمي لتعزيز رصيد أمته المعرفي بين الأمم، وتوجيه الناس إلى الخير على ضوء أحكام الإسلام وتعاليمه الخالدة ومقاصده وغايته النافعة . .
كما يسهم بشكل فعال في البناء التربوي والعقلي للمأمومين والمستمعين.. لذا ينبغي له أن يسعى جاهدا لتأهيل نفسه بالعلم النافع والبصيرة والفقه في الدين والاعتصام بالكتاب والسنة ولزوم جماعة المسلمين وإمامهم . . وذلك لأداء مهامه على أحسن وجه رغم كل العقبات المادية والأدبية التي قد تعترض سبيله.. فهو يمثل منارة العلم وراية المعرفة والقدوة الحسنة لمن حوله.. فليعي دوره الخطير وأهميته البالغة، وليتعاون مع العلماء المخلصين الربانيين والدعاة الصادقين والفقهاء العارفين، والمفكرين والمثقفين الشرفاء الناصحين للإسهام في غرس الأخوة الإسلامية والولاء لله ولرسوله ــ صلى الله عليه وسلم ــ وتشييد روح المحبة والصدق والإخلاص والوفاء في قلوب هؤلاء الشباب وحثهم على تقوى الله سبحانه وتعالى قولاً وعملاً . . وخاصة أنتم أيها الإخوة تقومون بتربية الشباب من فئة خاصة ومميزة ألا وهم حماة الدين والوطن والمجتمع من جميع أشكال الضرر الموجه لهم وهم العسكر والجيش وأمثالهم والذين يحرسون الثغور بعيدين عن أهلهم وذويهم ويسكنون في المخابئ والكهوف وتحت الأشجار وبين الأحجار يتحملون كلب الشتاء القارس وزمهرير الصيف الحار، وبلل الأمطار. . كل ذلك بعزيمة صادقة ووطنية حازمة، وهمة عالية، وإخلاص وتفان وصبر يحدوهم الأمل في النصر وإشاعة الأمن وحصول الاستقرار والاطمئنان لأهلهم ومجتمعاتهم وأوطانهم . .
مشيراً معاليه إلى أهمية الأئمة والخطباء في المجتمعات الإسلامية حيث قال: لا شك أن الأئمة والخطباء هم القاطرة العقلية، والعلمية، والثقافية.. المهمة والقوية في المجتمع.. وكلما كان إعداد الإمام والخطيب متميزًا خلال مراحل تواجده في المسجد وفي مكان التدريب للإمامة والخطابة.. فيكون المستفيد منه قائدًا علميًا فاعلاً وواعيًا وإيجابيًا وحياديًا في معاملة الناس.. وفي قضايا أبناء وطنه وأمته ومجتمعه..
وإننا ــ أيها الإخوة الفضلاء ــ نأمل أن يعاد الدور الديني القيادي العلمي والعقلي والاجتماعي والوطني والإعلامي لأئمتنا وخطبائنا.. ليقودوا من يربونهم ويوجهونهم ومجتمعهم في تعايش ديني ووطني علمي بعيد عن الفتن الطائفية والمذهبية والحزبية والقومية والدينية، لتكون مجتمعنا محضن علمي للعلاقة المتميزة والعلمية والوطنية والحيادية، والأخلاق العظيمة والتكافل الاجتماعي…
للإمام والخطيب مكانة مهمة في مجتمعات الدول الإسلامية فبالإضافة إلى مهمته الأساسية في الإمامة والخطابة.. فإن له أدواراً مهمة لا تقل أهمية عن دوره في الإمامة والخطابة إن لم تزيد أحياناً..
فمن الأعمال التي يقوم بها الخطيب والإمام هو توجيه الشباب وتعليمهم الدين الصحيح المستمد من الكتاب والسنة والقائم على الوسطية والاستقامة والاعتدال والاتزان.. والبعيد عن التطرف والتشدد والغلو والإفساد والإرهاب.. وليتحرى الخطيب والإمام الكلمات الطيبة، ويتحرى الدعوة بالحكمة، والكلام الطيب، والترغيب والترهيب، ويتجنب كل شيء يسبب الفرقة والاختلاف، ويسبب أيضاً الوحشة بينه وبين إخوانه والمدعوين بعامة، وأن يتحرى الألفاظ المناسبة، والكلمات الصادقة، وأن يرفق في أمره كله، وأن يحرص على الإخلاص لله بأن يكون هدفه إيصال دعوة الله إلى عباد الله يرجو ثواب الله ويخشى عقابه، لا لرياء ولا سمعة، ولا عن فخر وخيلاء، ولكن يريد وجه الله والدار الآخرة، ثم يريد بعد ذلك نفع الناس، وإصلاح أوضاعهم، وتقريبهم من الخير وإبعادهم عن الشر، وجمع كلمتهم على الحق، هذا هو المقصود من الإمام والخطيب، وهو مقصود الرسل عليهم الصلاة والسلام..
فالمقصود إيضاح الحق للناس، وبيان ما أوجب الله وما حرم الله، وترغيبهم في الخير وتحذيرهم من الشر، وجمع كلمتهم على تقوى الله ودينه، كما قال سبحانه: ((وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا)) هكذا جاء القرآن وجاءت السنة، قال تعالى: ((الر كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ)). ويقول عز وجل: ((كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَاب)).، فالواجب على الأئمة والخطباء أن يعتنوا بالدعوة، وأن يصبروا، وأن يتحروا الرفق والكلمات الواضحة، وأن يحرصوا على جمع الكلمة وعلى تجنب أسباب الفرقة والاختلاف، لا مع الشباب ولا مع الشيب ولا مع الدولة ولا مع غيرها، الواجب تحري الحق وتحري العبارات الحسنة التي توضح الحق وترشد إليه وتمنع من الباطل، مع الرفق في كل الأمور واجتناب أسباب الفرقة والاختلاف.. كما قال الله جل وعلا: ((ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَة)).
الإخوة الزملاء الأئمة والخطباء:
ولا أريد أن أطيل عليكم، فخير الكلام ما قل ودل، وإنما أريد أن اذكركم بعظم مسئوليتكم، فتعليم الناشئة الشباب بخاصة الخير وتوجيهم الوجهة السليمة الحقة من رسالة الأنبياء والمرسلين؛ حيث صح عن نبينا صلى الله عليه وسلم أنه قال: “إنما بعثت معلما” (رواه ابن ماجة برقم 229) فرسالتكم جزء من رسالة الأنبياء والمرسلين ــ عليهم الصلاة والسلام ــ . .
وفي ختام كلمته كرر شكره وتقديره لجميع الحاضرين كما قام بتوزيع الشهادات على العلماء والخطباء والأئمة والدعاة المشاركين في الدورة..
ثم أجاب معاليه في حوار مفتوح على أسئلة الحاضرين واستفساراتهم ومناقشاتهم واقتراحاتهم البناءة ووعد معاليه بتحقيقها بإذن الله ما أمكن وفقاً لإجراءات الجامعة وأنظمتها . .
وقد أبدى جميع الحاضرين اهتمامهم وعنايتهم بما استمعوه من معالي رئيس الجامعة من كلمة توجيهية ضافية مقدمين شكرهم وتقديرهم الخالص المقرون بالدعاء لمعاليه على جهوده المباركة المبذولة في خدمة العلم والعلماء في هذا البلد المبارك وكذلك جهود معاليه في خدمة الإسلام والمسلمين والأقليات المسلمة في العالم الإسلامي والعربي.. سائلين الله سبحانه وتعالى لمعاليه السداد والتوفيق والصحة والعافية في الدنيا والآخرة..
كما تم تكريم المتفوقين في الدورة في كافة المناشط والبرامج . . وكذا تكريم الحاضرين من ضباط القوات المسلحة البرية والبحرية والجوية . .
والجدير بالذكر أن لأكاديمية الدعوة بالجامعة الإسلامية العالمية علاقات وثيقة مع المنظمات الدعوية والمؤسسات الإسلامية النشيطة على المستوى العالمي وخاصة في الأقليات المسلمة. وبسبب رعاية معالي رئيس الجامعة للأكاديمية واهتمامه بنشاطاتها اتسعت دائرة علاقاتها وروابطها مع مزيد من الهيئات الدعوية والعلمية وعلى رأسها الجامعات والمؤسسات التعليمية والمنظمات الدعوية والدينية في المملكة العربية السعودية، حتى يستفيد الأكاديمية ومنسوبيها من تجارب أصحاب العلم والمعرفة في المملكة وغيرها من البلدان الإسلامية والعربية والعالم أجمع..
ولأجلها أقيمت الدورات التدريبية العديدة في داخل باكستان وخارجه.. وتفضل معالي رئيس الجامعة بإلقاء الكلمات التوجيهية والنصائح الغالية بمناسبة تكميل هذه الدورات، كما تفضل بتوزيع الشهادات بين مشاركي هذه الدورات في الحفلات الختامية..
كما تكرم معالي رئيس الجامعة الإسلامية العالمية بإسلام آباد، بإرسال العلماء المشاركين في بعض هذه الدورات للعمرة وزيارة الجامعات والمعاهد والمؤسسات التعليمية والدينية في المملكة العربية السعودية للاستفادة علميا وثقافيا ولتقوية العلاقات الوثيقة بين الدولتين الحبيبتين المملكة العربية السعودية وجمهورية باكستان الإسلامية، وتحسين سمعة الأكاديمية والجامعة..
31/ أكتوبر/2017م ــ 11/صفر/1439هـ