ألقى معالي رئيس الجامعة الإسلامية العالمية في إسلام آباد الأستاذ الدكتور/ أحمد بن يوسف الدريويش خطبة الجمعة بمسجد الملك فيصل في إسلام آباد يوم الجمعة 22/مارس/2018م الموافق 15/رجب/1440هـ..
وقد أوصى معالي رئيس الجامعة الحاضرين بتقوى الله سبحانه وتعالى وأنها سبب للأمن والأمان والاستقرار في الأوطان..
وبين معاليه بأن الأمن من أهم مطالب الحياة الطيبة المطمئنة، لأن الأمن يعني: السلامة من الفتن والشرور، ويعني: الاطمئنان والاستقرار والرخاء والازدهار.. والأمنُ حقيقتُه: انتفاء الخوف على حياة الإنسان وعِرضه ومُلكه ومُكتسباته، ﴿ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ﴾ (يوسف: 99)، ﴿وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا﴾ (آل عمران: 97)..
وأضاف معاليه بأن الأمن نعمةٌ عُظمى ومنَّةٌ كُبرى لا يعرفُ كبير مقداره وعظيمَ أهميته إلا من اكتوَى بنار فقده، فوقع في الخوف والقلق والذُّعر والاضطراب ليلاً ونهارًا سفرًا وحضرًا.. كما أن الأمن هو الهدف النبيل الذي تنشُدُه المجتمعات البشرية، وتتسابق إلى تحقيقه الشعوبُ العالمية، يقول تعالى – مُمتنًّا على قوم سبأ -: ﴿سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آمِنِينَ﴾ (سبأ: 18)، وفي الحديث عن النبي – صلى الله عليه وسلم – أنه قال: ((من أصبح آمنًا في سِربه، مُعافًى في جسده، عنده قُوت يومه؛ فكأنما حِيزَت له الدنيا)) رواه البخاري في “الأدب المفرد”، ورواه الترمذي، وابن ماجه..
وبين معاليه في خطبته أهمية الأمن في الإسلام حيث أمر بالمحافظة على الأمن، ونهى عن الإخلال به، فنهانا ربنا عن الاعتداء على الآمنين، وحذرنا من قتل الأبرياء المسالمين، فقال سبحانه: ((مِنْ أَجْلِ ذَٰلِكَ كَتَبْنَا عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا)).. (سورة المائدة، 32).. وتوعد نبينا صلى الله عليه وسلم سافك دماء الأبرياء من المسلمين وغيرهم بالوعيد الشديد، فقال صلى الله عليه وسلم ((من قتل نفسا معاهدا لم يرح رائحة الجنة، وإن ريحها ليوجد من مسيرة أربعين عاما)).
مشيراً معاليه بأن التزام جانب الوسطية والاعتدال والابتعاد عن الإفراط والتفريط في الدين من أهم الضمانات اللازمة لاستمرار نعمة الأمن والاستقرار في بلاد المسلمين، وكما هو معلوم فإن الوسطية والاعتدال خاصة من أبرز خصائص الإسلام، وهي وسام شرف الأمة الإسلامية، ومن أبرز مميزات الوسطية الأمان..، كما أن من أهم مميزات الوسطية في الإسلام كون الوسطية دليل القوة، فالوسط مركز القوة.. قال تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} [البقرة: 143]..
وبهذه الآية الكريمة حدد الحق تبارك وتعالى هُوية هذه الأمة، ومكانتها بين الأمم، لا إفراط ولا تفريط، لا إهمال ولا تطرف، لا تكاسل ولا غلو، بل اعتدال في كل شأن من شؤون الأمة..
محذراً معاليه عن كل ما يخل بالأمن والأمان حيث قال: إذا كان الإسلام يدعو إلى الوسطية فإنه يُحَذر كل التحذير من كل ما يتعارض معها من إفراط وتفريط قد نهى الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز وعلى لسان رسوله – صلى الله عليه وسلم – عن الغلو في الدين لحكم متعددة من أهمها أن الإسلام دين توحيد واجتماع، والغلو في الدين سبب رئيسي من أسباب الاختلاف والتفرق والتمزق بين أفراد المجتمع الإسلامي، قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ} [الأنعام: 159]، وقال تعالى {وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ – مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ} [الروم: 31 – 32] .
كما أن الغلو في الدين فيه مشقة وهو يتعارض مع تعاليم الإسلام الداعية إلى اليسر ورفع الحَرَج فيسر الإسلام والتيسير خاصة من خصائصه التي اختلف بها عما سواه من الأديان والمشقة والحرج ليسا من مقاصد الشرع أما اليسر والتيسير فهما من مقاصده، وتقرير هذا من القرآن والسنة، قال الله تعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78].
والغلو والتطرف من أخطر مهددات الاستقرار، وله أسباب عدة، منها: الفهم السقيم لمسائل الدين، وتعلم الأمور الشرعية من غير أهلها المعتبرين، والانخداع بالتنظيمات الإرهابية، والاغترار بالمتعالمين، وتصفح المواقع الإلكترونية المشبوهة مع قلة البصيرة وضعف الحصانة العلمية، وتغليب العواطف المفرطة على مقتضى الشرع والعقل، فعلينا أن نحذر من ذلك كله، وأن نتمسك بطريق الوسطية والاعتدال..
مبيناً معاليه وسائل وطرق المحافظة على الأمن والاستقرار، فقال: إن المحافظة على الاستقرار له وسائله وطرقه، منها: التزام الخلق الجميل في التعامل مع المسلمين وغيرهم؛ تأسيا بنبي الرحمة صلى الله عليه وسلم الذي قال عنه ربه: ((وإنك لعلى خلق عظيم))..
مشيراً معاليه في خطبته إلى حادث أليم الذي وقع لإخواننا في نيوزيلندا الأسبوع الماضي وهم يؤدون صلاة الجمعة حيث قال: ومن هنا نؤكد كل التأكيد بأن التطرف والإرهاب لا دين له ولا جنسية له ولا وطن له ولا ينتمي لأمة دون أمة أخرى ولا لمجتمع دون مجتمع آخر.. وهذا ما أثبتته الأحداث الأخيرة في نيوزيلندا التي وقعت لإخواننا الجمعة الماضية من قتل وتخريب وتدمير وانتهاك للدماء المعصومة الأبرياء من قبل المتطرفين الذين لا يعرفون الرحمة والإنسانية.. نسأل الله تعالى أن يتقبل شهدائهم وأن يشفي جرحاهم وأن يلهم أهلهم الصبر والسلوان إنه ولي ذلك والقادر عليه.. ولا حول ولا قوة إلا بالله..
وفي الخطبة الثانية أوصى الحاضرين بتقوى الله سبحانه وتعالى في السر والنجوى.. كما أوصاهم بالمحافظة على أوطانهم وأمنها وأمانها واستقرارها؛ لأنها واحات أمن وأمان وموئل استقرار، فعلينا أن نحافظ على هذه النعم، فبوجودها يعم الأمان والاطمئنان على الأنفس والأعراض والأموال، وبانعدامها تضطرب شؤون الحياة، ويشيع الخوف، وتفسد مصالح الدنيا والدين، كما علينا أن نشكر الله تعالى على نعمة الاستقرار والوئام، قال تعالى: ((بل الله فاعبد وكن من الشاكرين))..
ذاكراً معاليه أسباب توفر الأمن فقال: من أسباب توفُّر الأمن: السمع والطاعة لولاة الأمر في المعروف، فذلكم أصلٌ من أصول الواجبات الدينية، وعقيدةٌ من عقائد أهل السنة والجماعة، وبهذا الأصل تنتظِمُ مصالحُ العباد في معاشِهم، وتسلمُ من الشرور والوَيْلات.. كما أن من أعظم الأسباب لتحقيق الأمن: الاعتصام بحبل الله – جل وعلا -، والاجتماع على دينه، والتعاوُن على البر والتقوى، استجابةً لقوله تعالى: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا﴾ (آل عمران: 103)..
ويقول – صلى الله عليه وسلم -: «((مثلُ المؤمنين في توادِّهم وتراحُمهم مثلُ الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضوٌ تداعَى له سائرُ الجسد بالسهر والحُمَّى)). متفق عليه.
إن المحافظة على الأمن مسؤولية مشتركة، تستدعي تعاون الجميع على حماية المنجزات والمكتسبات؛ لاسيما العلماء والمثقفين وأصحاب الأقلام والرؤى المستنيرة؛ امتثالا لقول الله تعالى:((وتعاونوا على البر والتقوى)). فاللهم إنا نسألك دوام الأمن والإيمان، والسلامة من شرور أهل الطغيان..
وفي نهاية الخطبة دعا معاليه دعاءً جامعاً بأن يحفظ الله تعالى المسلمين في كل مكان ويعم بالخير والنفع والأمن والأمان والاستقرار أوطانهم..