لقاء صحفي مع الدكتور إنعام الحق غازي بجريدة ديلي تايمز الإخبارية، والتي قامت بها في يوم الخميس الموافق 7/سبتمبر/2017م، حيث تناول اللقاء مجمل موضوعات سيرته الشخصية، ومسيرته التعليمية، وما تعيشه الترجمة وباحثوها، ومؤسساتها من نهضة في البلاد. عناوين رئيسية للمقابلة:
- المترجم هو الحليف المهم لأي دولة وشعبها
- جهود الترجمة بالجامعات الباكستانية تشهد اهتماماً متزايدا
- العناية باللغات المحلية يعني حماية أمن باكستان القومي
- تعتبر الجامعة الإسلامية العالمية فی إسلام آباد رائدة دراسات الترجمة
- تضمن دراسات الترجمة للمترجم العمل الحر
- تأثّرت بسلوك أساتذتي أكثر من تأثّري بقراءة الكتب
سيرة الدكتور إنعام الحق الشخصية:
هو الدكتور إنعام الحق بن حاجي محمد نذير من مواليد مدينة سيالكوت الذي ينحدر منها الشاعر الكبير والعلم الفذ العلامة محمد إقبال، وله من الأبناء أربعة، حصل الأكبر منهم على ماجستير إدارة الأعمال، وابنته حصلت على بكالوريوس التكنلوجيا الحيوية، والابن الثالث يدرس بالمرحلة الثانوية، وقد تم اختياره ضمن برنامج التعاون الأمريكي للشباب الباكستانيين حيث مكث سنة في أمريكا، وأما الابن الأخير فهو يدرس في المرحلة المتوسطة. وعن جذور أسرته يقول: إنّ جده قد انتقل من قرية صغيرة تعرف باسم دجري هريان مجاورة لمحافظة “جوندا” إلى مدينة سيالكوت، وقد كان أبوه عاملاً بسيطاً، وأن حياته قد ميزها الجد والكفاح من أجل تربية أولاده حتى تحسنت أموره فصار من التجار؛ وقد وصف علاقة أباه بجده أنها كانت قوية تميزها الصداقة بغض النظر عن الوشائج التي تربط كل أب بابنه.
سيرته التعليمية:
بدأ تعليمه منذ الصغر حيث تتلمذ على يد العالم النحرير محمد على الكاندهلوي، وهو ممن قدم إلى باكستان قبل استقلالها من الهند الحالية بفترة زمنية طويلة، وقام بتأسيس مدرسة دينية، كانت تقوم بتدريس العلوم الدينية والعصرية، وقام بتفسير القرآن الكريم، المسمى ” بمعالم القرآن ” وكان يُشجع طلابه على دراسة العلوم العصرية بجانب العلوم الدينية، إضافةً إلى تعلم اللُّغة الإنجليزية، والعلوم الاجتماعية، ونيل الشهادات النظامية، وفي هذا يقول الدكتور إنعام “وبسبب تشجيعه قمت بدراسة علم الاجتماع، والعلوم السياسية حتى مرحلة البكالوريوس”.
مرحلة الدكتوراه:
كان لأسلوب الشيخ محمد على الكاندهلوي في تشجيع تلاميذه على مواصلة الدراسات العليا الأثّر الفاعل في تشجيع الدكتور إنعام إلى دراساته الأكاديمية حتى حصّل على الماجستير والدكتوراه من الجامعة الإسلامية العالمية بإسلام آباد، وكانت أطروحة الدكتوراه عن “رحلات العرب في شبه القارة “، والتي كانت قبل عهد المغول، وتناولت دراسة أربعة عشر رحالة عربياً، وقد شملت موضوعات البحث دراسة الجوانب الدينية، والاجتماعية، والثقافية، والاقتصادية، والسياسية، وتعتبر مهمة للقارئ العربي على وجه التحديد، وكنز ثمين يتضمن كشف أسرار تلك الرحلات العلمية طالما تضمنتها المناهج العربية.
ما هو الذي كان يميّز حياتك العملية بالجامعة الإسلامية؟
قضيت كل حياتي العملية بالجامعة الإسلامية العالمية بإسلام آباد، حيث بدأت بعد نيلي شهادة الدكتوراه بتدريس اللغة العربية للناطقين بغيرها، ومادة الترجمة التي كانت تدرّس ضمن منهج كلية اللغة العربية، وكانت لزمالتي الأساتذة الأجانب بخاصة المصريين فائدة قصوى في تعرفي على مختلف الجنسيات.
ما هي المؤلفات التي قمت بتصنيفها؟
لدي عدة مؤلفات وبحوث نشرت في مجلات محلية وعالمية، منها كتابان مترجمان من العربية إلى الإنجليزية، وآخران من الأردية إلى العربية، وألفت في تعليم اللغة العربية في باكستان حيث طبع لي كتاب “معاصر عربي” بالاشتراك مع مستشرق ألماني، وقد تم إعداد هذا الكتاب وفق معايير الاطار الأوربي المشترك للغات، ولا يعتبر فقط مجرد كتاب تعليمي وإنما منهج متكامل لتعليم العربية.
ما هي اهتماماتك الفكرية؟
ابتداءً أعتبر نفسي بأني طالب الفكر Thinking، وأنّ أكبر موضوع له القرآن العظيم، ومن ثَم قراءة السيرة النبوية، ولدي ميول خاص إلى قراءة التاريخ لأن به يستطيع المرء أن يفسّر ما يجري حوله من الأحداث المختلفة.
ما الكتب التي أثّرت في شخصيتك؟
الكتب المنهجية لم تكن لها تأثير بالقدر الذي حظى به أساتذتي من الأثر البالغ في شخصيتي، حيث كان الأثر الكبير يرجع إلى والدي السيد حاجي محمد نذير ومنه تعلمت كثيراً، ومن ذلك قوله إنه مهما كانت الظروف صعبة فلا ينبغي أن يستسلم لها المرء، وكان دور الوالدة كبير خاصة داخل البيت، وقد تعلمت من كليهما أن الظروف ليست بيدك ولكن بمقدورك أن تسيطر على تصرفك؛ وكذلك تأثرت بمولانا محمد على الكاندهلوي، حيث قام بتفسير القرآن الكريم حتى الجزء الثالث عشر ثم انتقل إلى جوار ربه، وكذلك الأستاذ عبدالرحمن الذي تأثّرت به تأثّيراً بالغاً، وفي الكلية تأثرت بالأستاذ يونس حسن خاصة في تدريس اللغة الأردية، وكان كاتباً للنصوص المسرحية، ونهماً في إطلاع الكتب العلمية.
ماذا ترى في دراسات الترجمة؟
هنالك نصان يعتبران مدخل جيد لفهم أهمية دراسات الترجمة، أحدهما قاله الأديب الايطالي إيتا لوكا ينو ” إنه بغير الترجمة سأبقى مقيداً داخل حدود بلادي، والمترجم هو الحليف الأكبر الذي عرفني بالعالم. وثانيهما هو قول المؤلف البريطاني آنتوني برجس ” الترجمة لا تتعامل فقط مع الكلمات وإنما تحتوي في ثناياها الثقافة وشمولية الفهم.
وبالمقابل نجد أن عامة الناس يظنون أن من لديه لغتين يستطيع أن يترجم ولكن ينسون أن لكل لغة قواعدها وتراكيبها، ولها ثقافتها وكيفية استخدام الكلمات في محل خاص من الجملة ومتى تقال؟ وأن هنالك استخدامات ثقافية في لغة ما تعطي مدلولاً جيداً وفي آخرها تعطي عكس المدلول الثقافي. هذه الأشياء والمتطلبات اللُّغوية كلها لا يمكن أن تُعرف إلا بالتدريب والتعلم، أو الخبرة والتجربة الطويلة، وبغير ذلك لا يمكن التعرف عليها.
إضافة إلى أن شواهد التاريخ تخبرنا أن المصريين أخذوا الترجمة من اليونانيين، واليونانيین أخذوا الترجمة من الرومان، والمسلیون في العهد العباسي أخذوا الترجمة من اللغة اليونانية والسريانية معاً . ثم كان أساس النهضة الثانية لأوروبا العلوم العربية التي برع فيها المسلمون حيث ترجمت إلى اللغات الأوروبية ولا تزال تترجم. وقد لوحظ بعد الحرب العالمية الأولى أن من أسبابها الرئيسة كانت بسبب اختلاف الألسن والترجمات الخاطئة. وتقول دراسة إن الاتحاد الأوربي قد شكّل في عام 1893م لولا وجود سوء التفاهم بين الفرنسين والألمان؛ وهكذا بعد الحرب العالمية الثانية بدأ شعور الناس بأن مجال الترجمة مجالٌ مستقل علمياً وبحثياً؛ لأن نصوص اللغات قانونية وبعضها أدبية، وأخرى أسلوبها صحفي متغير في النطق والكتابة، بالإضافة إلى مجال العلاقات الدولية والدبلوماسية، والتجارة، والثقافة، وبناءٍ على التنوع أسس مجال البحث في دراسات الترجمة.
وقد ناقش العالم الهولندي (جيروم هومز) قبل سبعين سنة في مؤلفاته مشكلات الترجمة وخصائصها، حيث حقق طويلاً من أجل تحديد مسمى مجال الترجمة والذي عرّفه بدراسات الترجمة Translation Studies، ويعرف في اللغة الأردية بـ “علم الترجمة”.
وبلا شك أن مزايا دراسات الترجمة تضمن للمترجم العمل الحر، ولو من منزله، خاصة أن كثيراً من الدارسات اللآتي تخرجن من الجامعات لا يجدن فرص العمل المناسبة، وذلك حسب العادات والتقاليد التي ترى في جلوس المرأة في بيتها لتربية الأولاد، أو رعاية شؤون الأسرة خيراً لها من العمل خارج بيتها، وعليه ففي الإنترنت توجد مشاريع مختلفة للترجمة تستوعب كثيراً من المترجمين للعمل من داخل بيوتهم، وتضمن لهم دفع أجورهم إلكترونياً؛ علاوةً أن هنالك مؤسسات دولية تهتم بعمل الترجمة من اللغات الباكستانية المختلفة.
ما هي جهود الجامعات الباكستانية في مجال الترجمة؟
إن الجامعات الباكستانية لم تقم حتى الآن بالقدر المطلوب في التدريب المهني على الترجمة، وأساليبها ووضعها في مناهج المقررات الدراسية، ولكنه في الآونة الأخيرة بدأ الاهتمام بها لما لها من الارتباط الوثيق بالنواحي الثقافية، والاقتصادية، والعلاقات الدبلوماسية، ورغم ذلك يرى أن الاهتمام بالدراسات الترجمة محدود. وكما لوحظ حديثاُ أن نشاط الأدباء والمترجمين الكبار بدأت تتزايد في ترجمة النصوص الأدبية إلى الأردية، وكما يؤكدون على الحاجة الماسة إلى الاهتمام بدراسات الترجمة.
أيضا امتد الاهتمام بدراسات الترجمة في المؤسسات التربوية والمعاهد التعليمية، حيث بدا الشعور بإعداد المترجمين وتدريبهم بالقدر المطلوب من احتراف الترجمة. وحتى اللحظة توجد في باكستان ثلاث جماعات تعتني بدراسات الترجمة منها الجامعة الإسلامية العالمية بإسلام آباد، وجامعة جرات بمدينة جرات، والجامعة الوطنية للغات الحديثة بإسلام آباد.
وقعت الجامعة الإسلامية العالمية بإسلام آباد في عام 2006م مذكرة تفاهم مع إحدى المؤسسات التعليمية الصينية حيث تم بموجبه بدا مرحلة البكالوريوس في الترجمة، ومن ثَم بدأت الجامعات الأخرى في تأسيس قسم الترجمة، ورغم ذلك كله تبدو هذه الجهود العلمية محدودة، ومازالت هنالك حاجة ماسة إلى التطوير والتوسع. وفي قسم الترجمة بكلية اللغة العربية بالجامعة الإسلام العالمية بإسلام آباد يتم تدريس الترجمة والترجمة الفورية في أربع سنوات، حيث تم حالياً إضافة تدريس اللغة الأم بجانب اللغتين الرئيسيتين (العربية والإنجليزية)، وبذا تم تحول البرنامج إلى ثلاثي اللغات؛ ولأجل التواجد الكبير للطلاب الصينين تم إضافة تدريس اللغة الصينية أيضاً، وعلاوةً على برنامج الماجستير في دراسات الترجمة والترجمة الفورية والذي يعني بالبحث في مجال دراسات الترجمة، وقد أطلق القسم دورات قصيرة في الترجمة والترجمة الفورية المحترفة، وتفصيلها على النحو التالي:
- دورة قصيرة لمدة ثلاثة أشهر، وبختامها يمنح الطلاب شهادة في الترجمة
- دورة قصيرة لمدة ستة أشهر، حيث يحصل الطالب بعدها على دبلوم الترجمة
وتلك الدورات يتم التركيز فيها على تدريس ثلاث لغات وهي: اللغة العربية-الإنجليزية، والعربية- الأردية، والأردية-والإنجليزية. وتستهدف الدورات القصيرة العاملين في مجال الترجمة، والمهتمين بها في الأقسام الأكاديمية المختلفة. ويحصل الطلاب فيها أصول أسس الترجمة، والتدريب العملي على حل مشكلات الترجمة.
ما حجم الفرص العملية في مجال الترجمة؟
رغم أنه تتوفر فرص كثيرة في سوق الترجمة غير أن إحصائيات بشأنها غير موجودة، وعموماً لا تتجلى – كما ينبغي- الإعلانات عن فرص العمل في مجال الترجمة في باكستان، ذلك بأن التوظيف يتم عادة عبر البحث عن المترجمين المحترفين من قبل جهات العمل وأصحابه. وبالمقابل في الدول النامية يتم تخصيص أسهم لدراسات الترجمة، وعلى سبيل المثال لا الحصر تتزايد في المملكة العربية السعودية أنشطة الترجمة حيث توجد فرص عمل كثيرة. وما يخص باكستان تكمن فرص العمل في السفارات الأجنبية، فتوجد 22 دولة عربية، والمنظمات الدولية، وبعثات البلاد الخارجية، وينشط بعض المختصين في ترجمة النصوص العلمية والأدبية إلى اللغات المحلية، خاصة في المدن الكبيرة مثل: العاصمة إسلام آباد، ولاهور، وكراتشي. وحيث تتمتع باكستان بإثنيات مختلفة تتحدث 60 لغة مما تعتبر مجالا ثراً للترجمة، فالاهتمام باللغات القومية يعتبر من أولويات الأمن القومي.
هذا، وفي الختام نتمنى من الله أن يبارك في جهود الدكتور إنعام الحق غازي، ويجعلها له في ميزان حسناته، آمين.